شرح الأسماء الحسنى 2
صفحة 1 من اصل 1
شرح الأسماء الحسنى 2
الغني
قال الله تعالى : ( وأنه هو الغني وأقنى) . وقال الله تعالى : ( يا أيها الناس أنتم
الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق
من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ، ولا
يمكن أن يكون إلا غنياً فإن غناه من لوازم ذاته ، كما لا يكون إلا محسناً ، جواداً ، براً
رحيماً كريماً ، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها ، فهي مفتقرة
إليه في إيجادها ، وفي بقائها ، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه
أن خزائن السماوات والأرض والرحمة بيده ، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع
الأوقات ، وأن يده سخاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار . ومن كمال غناه
وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه ، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم ،
ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه ، ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق
وأخرهم في صعيد واحد فسالوه ، فأعطى كلاً منهم ما سأله وما بلغت أمانيه ما نقص
من ملكه مثقال ذرة ، ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من
النعيم واللذات المتتابعات ، والخيرات المتواصلات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ،
ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ، ولا ولداً ، ولا شريكاً في
الملك ، ولا ولياً من الذل ، فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه ، المغني لجميع
مخلوقاته . والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه وهو
الغني جميع خلقه ، غنى عاماً ، والغني لخواص خلقه ، بما أفاض على قلوبهم ، من
المعارف الربانية ، والحقائق الإيمانية .
الحكيم
قال الله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . هو تعالى (الحكيم)
الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات ، فالحكيم هو واسع العلم
والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، واسع الحمد ، تام القدرة ، عزيز الرحمة فهو
الذي يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره ، فلا يتوجه
إليه سؤال ، ولا يقدح في حكمته مقال. وحكمته نوعان : أحدهما : الحكمة في خلقه ،
فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق ، وكان غايته والمقصود به الحق ، خلق
المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق
به . بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته
وهيئته ، فلا يرى أحد في خلقه خللاً ، ولا نقصاً ، ولا فطوراً ، فلو اجتمعت عقول الخلق
من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من
الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شئ من ذلك وحسب العقلاء
الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه ، ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن
والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في
الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والـتأمل هل يجدون
في خلقه خللاً أو نقصاً ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شئ
من مخلوقاته. النوع الثاني : الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه تعالى شرع الشرائع ،
وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدونه ، فأي حكمة أجل من هذا ، وأي
فضل وكرم أعظم من هذا ، فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، واخلاص
العمل له وحده لا شريك له ، واخلاص العمل له وحمده ، وشكره والثناء عليه أفضل
العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها . وأكمل سعادة
وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية
والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل
الخيرات ، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت
كافية شافية . هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير فأخباره تملأ القلوب علماً ،
ويقيناً، وإيماناً ، وعقائد صحيحة ، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها ، وتثمر كل
خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد . وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة
والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا
ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة . ومن حكمه الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو
الغاية لصلاح القلوب ، والأخلاق ،والأعمال ، والاستقامة على الصراط المستقيم ، فهو
الغاية لصلاح الدنيا ، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإن أمة محمد لما كانوا
قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالهم في
غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيراً من هداه ولم يسترشدوا
بتعاليمه العالية ، انحرفت دنياهم كما أنحرف دينهم . وكذلك نظر إلى الأمم الأخرى التي
بلغت في القسوة ، والحضارة ، والمدنية مبلغاً هائلاً ، ولكن لما كانت خالية من روح
الدين ورحمته وعدله ، كان ضررها أعظم من نفعها ، وشرها اكبر من خيرها ، وعجز
علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها ، ولن يقدروا على ذلك
ما داموا على حالتهم . ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه
وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكماً
كاملاً لا يحصل إلا به. وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع ، وكلها في غاية
الأحكام ، فهو الحكيم في أحكامه القدرية ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية ،
والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكونه وقدره ، وأنه
ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه . والعبد المربوب لا
يخلو منهما أو من أحدهما ، فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان
، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ، فإن ما فعله واقع بقضاء الله
وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر
والطاعات ، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري ، وما يحبه الله منها هو تابع
الحكم الشرعي ومتعلقه والله أعلم .
العفو الغفور الغفار
قال الله تعالى : ( إن الله لعفو غفور) الذي لم يزل ، ولا يزال بالعفو معروفاً ، وبالغفران
والصفح عن عباده ، موصوفاً . كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى
رحمته وكرمه . وقد وعد بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى : ( وإني
لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) . والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي
وسع ما يصدر من عباده من الذنوب ، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من
الاستغفار ، والتوبة ، والإيمان ، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة ، والإيمان ،
والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ، وهو عفو
يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه : من
السعي في مرضاته ، والإحسان إلى خلقه ، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد
على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره ، وأنه جعل الإسلام
يحب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها . قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هــو الغفور الرحيم ) وفي
الحديث (إن الله يقول) : ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا
تشرك بي شيئاً لآتينك بقرابها مغفرة ) . وقال تعالى : ( إن ربك واسع المغفرة ) . وقد
فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار ، والإيمان ، والعمل الصالح
، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن
بالله وغير ذلك مما جعله الله مقرباً لمغفرته .
التواب
قال الله تعالى : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن اله
هو التواب الرحيم ) . (التواب) الذي لم يزل يتوب على التائبين ، ويغفر ذنوب المنيبين .
فكل من تاب إلى الله توبة نصوحاً ، تاب الله عليه . فهو التائب على التائبين : أولاً
بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه وهو التائب عليهم بعد توبتهم ، قبولاً لها ، وعفواً
عن خطاياهم . وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعان : أحدهما : يوقع في قلب عبده
التوبة إليه والإنابة إليه ، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي ، والندم
على فعلها ، والعزم على أن لا يعود إليها . واستبدالها بعمل صالح . والثاني : توبته
على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها ، فإن التوبة النصوح تجب ما قبلها .
الرقيب
المطلع على ما اكنته الصدور ، القائم على كل نفس بما كسبت . قال تعالى : ( إن الله
كان عليكم رقيباً ) والرقيب هو سبحانه الذي حفظ المخلوقات وأجراها ، على أحسن
نظام وأكمل تدبير .
الشهيد
أي : المطلع على جميع الأشياء ، سمع جميع الأصوات ، خفيها وجليها . وأبصر جميع
الموجودات ، دقيقها وجليلها ، صغيرها وكبيرها ، وأحاط علمه بكل شئ ، الذي شهد
لعباده ، وعلى عبادته بما علموه . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى (
الرقيب) و(الشهيد) مترادفان ، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات ، وبصره
بالمبصرات ، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية ، وهو الرقيب على ما دار في
الخواطر ، وما تحركت به اللواحظ ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان ، قال
تعالى ( إن الله كان عليكم رقيباً) ( والله على كل شئ شهيد) ولهذا كانت المراقبة التي
هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله بأسمه الرقيب الشهيد ، فمتى علم العبد أن
حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها ، واستحضر هذا العلم في كل أحواله ،
أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله وحفظ ظاهره عن كل قول
أو فعل يسخط الله ، وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإن
الله يراه . فإذا كان الله رقيباً على دقائق الخفيات ، مطلعاً على السرائر والنيات ، كان
من باب أولى شهيداً على الظواهر والجليات . وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي
الجوارح .
الحفيظ
قال الله تعالى : ( وأنه هو الغني وأقنى) . وقال الله تعالى : ( يا أيها الناس أنتم
الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق
من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ، ولا
يمكن أن يكون إلا غنياً فإن غناه من لوازم ذاته ، كما لا يكون إلا محسناً ، جواداً ، براً
رحيماً كريماً ، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها ، فهي مفتقرة
إليه في إيجادها ، وفي بقائها ، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه ، ومن سعة غناه
أن خزائن السماوات والأرض والرحمة بيده ، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع
الأوقات ، وأن يده سخاء الليل والنهار ، وخيره على الخلق مدرار . ومن كمال غناه
وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه ، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم ،
ويؤتيهم من فضله ما سألوه وما لم يسألوه ، ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق
وأخرهم في صعيد واحد فسالوه ، فأعطى كلاً منهم ما سأله وما بلغت أمانيه ما نقص
من ملكه مثقال ذرة ، ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من
النعيم واللذات المتتابعات ، والخيرات المتواصلات ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ،
ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ، ولا ولداً ، ولا شريكاً في
الملك ، ولا ولياً من الذل ، فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه ، المغني لجميع
مخلوقاته . والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه وهو
الغني جميع خلقه ، غنى عاماً ، والغني لخواص خلقه ، بما أفاض على قلوبهم ، من
المعارف الربانية ، والحقائق الإيمانية .
الحكيم
قال الله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . هو تعالى (الحكيم)
الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات ، فالحكيم هو واسع العلم
والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، واسع الحمد ، تام القدرة ، عزيز الرحمة فهو
الذي يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره ، فلا يتوجه
إليه سؤال ، ولا يقدح في حكمته مقال. وحكمته نوعان : أحدهما : الحكمة في خلقه ،
فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق ، وكان غايته والمقصود به الحق ، خلق
المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق
به . بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته
وهيئته ، فلا يرى أحد في خلقه خللاً ، ولا نقصاً ، ولا فطوراً ، فلو اجتمعت عقول الخلق
من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من
الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شئ من ذلك وحسب العقلاء
الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه ، ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن
والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في
الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والـتأمل هل يجدون
في خلقه خللاً أو نقصاً ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شئ
من مخلوقاته. النوع الثاني : الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه تعالى شرع الشرائع ،
وأنزل الكتب ، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدونه ، فأي حكمة أجل من هذا ، وأي
فضل وكرم أعظم من هذا ، فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، واخلاص
العمل له وحده لا شريك له ، واخلاص العمل له وحمده ، وشكره والثناء عليه أفضل
العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها . وأكمل سعادة
وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية
والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل
الخيرات ، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت
كافية شافية . هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير فأخباره تملأ القلوب علماً ،
ويقيناً، وإيماناً ، وعقائد صحيحة ، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها ، وتثمر كل
خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد . وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة
والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا
ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة . ومن حكمه الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو
الغاية لصلاح القلوب ، والأخلاق ،والأعمال ، والاستقامة على الصراط المستقيم ، فهو
الغاية لصلاح الدنيا ، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ، فإن أمة محمد لما كانوا
قائمين بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالهم في
غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركوا كثيراً من هداه ولم يسترشدوا
بتعاليمه العالية ، انحرفت دنياهم كما أنحرف دينهم . وكذلك نظر إلى الأمم الأخرى التي
بلغت في القسوة ، والحضارة ، والمدنية مبلغاً هائلاً ، ولكن لما كانت خالية من روح
الدين ورحمته وعدله ، كان ضررها أعظم من نفعها ، وشرها اكبر من خيرها ، وعجز
علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها ، ولن يقدروا على ذلك
ما داموا على حالتهم . ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى الله عليه
وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكماً
كاملاً لا يحصل إلا به. وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع ، وكلها في غاية
الأحكام ، فهو الحكيم في أحكامه القدرية ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية ،
والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكونه وقدره ، وأنه
ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه . والعبد المربوب لا
يخلو منهما أو من أحدهما ، فمن فعل منهم ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان
، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ، فإن ما فعله واقع بقضاء الله
وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر
والطاعات ، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري ، وما يحبه الله منها هو تابع
الحكم الشرعي ومتعلقه والله أعلم .
العفو الغفور الغفار
قال الله تعالى : ( إن الله لعفو غفور) الذي لم يزل ، ولا يزال بالعفو معروفاً ، وبالغفران
والصفح عن عباده ، موصوفاً . كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى
رحمته وكرمه . وقد وعد بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى : ( وإني
لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) . والعفو هو الذي له العفو الشامل الذي
وسع ما يصدر من عباده من الذنوب ، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من
الاستغفار ، والتوبة ، والإيمان ، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة ، والإيمان ،
والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ، وهو عفو
يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه : من
السعي في مرضاته ، والإحسان إلى خلقه ، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد
على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره ، وأنه جعل الإسلام
يحب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها . قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هــو الغفور الرحيم ) وفي
الحديث (إن الله يقول) : ( يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا
تشرك بي شيئاً لآتينك بقرابها مغفرة ) . وقال تعالى : ( إن ربك واسع المغفرة ) . وقد
فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار ، والإيمان ، والعمل الصالح
، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن
بالله وغير ذلك مما جعله الله مقرباً لمغفرته .
التواب
قال الله تعالى : ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن اله
هو التواب الرحيم ) . (التواب) الذي لم يزل يتوب على التائبين ، ويغفر ذنوب المنيبين .
فكل من تاب إلى الله توبة نصوحاً ، تاب الله عليه . فهو التائب على التائبين : أولاً
بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه وهو التائب عليهم بعد توبتهم ، قبولاً لها ، وعفواً
عن خطاياهم . وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعان : أحدهما : يوقع في قلب عبده
التوبة إليه والإنابة إليه ، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي ، والندم
على فعلها ، والعزم على أن لا يعود إليها . واستبدالها بعمل صالح . والثاني : توبته
على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها ، فإن التوبة النصوح تجب ما قبلها .
الرقيب
المطلع على ما اكنته الصدور ، القائم على كل نفس بما كسبت . قال تعالى : ( إن الله
كان عليكم رقيباً ) والرقيب هو سبحانه الذي حفظ المخلوقات وأجراها ، على أحسن
نظام وأكمل تدبير .
الشهيد
أي : المطلع على جميع الأشياء ، سمع جميع الأصوات ، خفيها وجليها . وأبصر جميع
الموجودات ، دقيقها وجليلها ، صغيرها وكبيرها ، وأحاط علمه بكل شئ ، الذي شهد
لعباده ، وعلى عبادته بما علموه . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى (
الرقيب) و(الشهيد) مترادفان ، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات ، وبصره
بالمبصرات ، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية ، وهو الرقيب على ما دار في
الخواطر ، وما تحركت به اللواحظ ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان ، قال
تعالى ( إن الله كان عليكم رقيباً) ( والله على كل شئ شهيد) ولهذا كانت المراقبة التي
هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله بأسمه الرقيب الشهيد ، فمتى علم العبد أن
حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها ، واستحضر هذا العلم في كل أحواله ،
أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله وحفظ ظاهره عن كل قول
أو فعل يسخط الله ، وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإن
الله يراه . فإذا كان الله رقيباً على دقائق الخفيات ، مطلعاً على السرائر والنيات ، كان
من باب أولى شهيداً على الظواهر والجليات . وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي
الجوارح .
الحفيظ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى