شرح الأسماء الحسنى 1
صفحة 1 من اصل 1
شرح الأسماء الحسنى 1
الأول
الآخر
الظاهر
الباطن
قال الله تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) هذه الأسماء الأربعة المباركة قد
فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً جامعاً واضحاً فقال يخاطب ربه : ( اللهم أنت
الأول فليس قبلك شئ ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ،
وأنت الباطن فليس دونك شئ ) .. الخ . ففسر كل اسم بمعناه العظيم ونفى عنه ما
يضاده وينافيه . فتدبر هذه المعاني الجليلة الدالة على تفرد الرب العظيم بالكمال المطلق
والإحاطة المطلقة الزمانية في قوله : ( الأول والآخر ) والمكانية في (الظاهر
والباطن) .فالأول يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن ، ويوجب للعبد
أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية ، إذ السبب والمسبب منه تعالى ..
والآخر يدل على أنه هو الغاية ، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألهها ن ورغبتها
، ورهبتها ، وجميع مطالبها ، والظاهر يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شئ عند
عظمته من ذوات وصفات على علوه ، والباطن يدل على إطاعته على السرائر ، والضمائر
، والخبايا ، والخفايا ، ودقائق الأشياء ، كما يدل على كمال قربه ودنوه . ولا يتنافى
الظاهر والباطن لأن الله ليس كمثله شئ في كل النعوت .
العلي
الأعلى
المتعال
قال الله تعالى ( ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ) وقال تعالى ( سبح اسم ربك
الأعلى ) وقال تعالى ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) وذلك دل على أن جميع
معاني العلو ثابتة لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى
العرض استوى أي علا وارتفع ، وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة
مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته ، قال
تعالى : ( ولا يحيطون به علماً ) . وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شئ في كل نعوته ، وله
علو القهر ، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده ،
وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما
لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك
لكمال اقتداره ، ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه .
الكبير
وهو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد ، والكبرياء ، والعظمة ، والجلال ، الذي
هو أكبر من كل شئ ، وأعظم من كل شئ ، وأجل وأعلى . وله التعظيم والإجلال ، في
قلوب أوليائه وأصفيائه . قد ملئت قلوبهم من تعظيمه ، وإجلاله ، والخضوع له ، والتذلل
لكبريائه ، قال الله تعالى ( ذلك بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا
فالحكم لله العلي الكبير ) .
السميع
قال الله تعالى : ( وكان الله سميعاً بصيراً ) . وكثيراً ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر
فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة ، والباطنة فالسميع الذي أحاط
سمعه بجميع المسموعات ، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها
سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد ، لا تختلط عليه الأصوات ، ولا تخفى عليه جميع
اللغات ،والقريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء ( سواء منكم من أسر القول
ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) ، ( وقد سمع الله قول التي
تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) . قالت
عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشتكي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض
كلامها ، فأنزل الله : ( لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) . وسمعه نوعان :
أحدهما : سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية ، وإحاطته التامة بها .
الثاني : سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم ، ومنـــه قوله
تعالى : ( إن ربي لسميع الدعاء ) . وقول المصلي (سمع اله لمن حمده) أي استجاب .
البصير
الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات ، حتى أخفى ما يكون
فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وجميع
أعضائها الباطنية والظاهرة وسريان القوت في أعضائها الدقيقة ، ويرى سريان المياه
في أغصان الأشجار وعروقها وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها ،
ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك . فسبحان من تحيرت العقول
في عظمته ، وسعة متعلقات صفاته ، وكمال عظمته ، ولطفه ، وخبرته بالغيب ،
والشهادة ، والحاضر والغائب ، ويرى خيانات الأعين وتقلبات الأجفان وحركات الجنان .
قال تعالى : (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم) ( يعلم
خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) . ( والله على كل شئ شهيد ) ، أي مطلع ومحيط علمه
وبصره وسمعه بجميع الكائنات .
العليم القدير
قال الله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . ( إن الله بكل شئ
عليم ) . فهو العليم المحيط علمه بكل شئ : بالواجبات ، والممتنعات ، والممكنات ، فيعلم
تعالى نفسه الكريمة ، ونعوته المقدسة ، وأوصافه العظيمة ، وهي الواجبات التي لا
يمكن إلا وجودها ، ويعلم الممتنعات حال امتناعها ، ويعلم ما يترتب على وجودها لو
وجدت ، كما قال تعالى : ( لو كان فيهما إلهة إلا الله لفسدتا) وقال تعالى : ( ما أتخذ
الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) .
فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها ، وإخباره بما ينشأ عنها لو وجدت
على وجه الفرض والتقدير ، ويعلم تعالى الممكنات ، وهي التي يجوز وجودها وعدمها
ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده ، فهو العليم الذي أحاط علمه
بالعالم العلوي والسفلي لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة ،
والظواهــر والبواطــن ، والجلي والخفي ، قال الله تعالى : ( إن الله بكل شئ عليم )
والنصوص في ذكر إحاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جداً لا يمكن حصرها
وإحصاؤها ، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك
ولا أكبر ، وأنه لا يغفل ولا ينسى ، وأن علوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسيت
إلى علم الله اضمحلت وتلاشت ، كما أن قدرهم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة
إليها بوجه من الوجوه ، فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون ، وأقدرهم على ما لم
يكونوا عليه قادرين . وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي ، وما فيه من
المخلوقات ذواتها ، وأوصافها ، وأفعالها ، وجميع أمورها ، فهو يعلم ما كان وما
يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، ويعلم
أحوالالمكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يميتهم وبعد ما يحييهم ، قد أحاط علمه بأعمالهم
كلها خيرها وشرها وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار. والخلاصة أن الله
تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، والأسرار والإعلان ، وبالواجبات ،
والمستحيلات ، والممكنات ، وبالعالم العلوي ، والسفلي ، وبالماضي ، والحاضر ،
والمستقبل ، فلا يخفى عليه شئ من الأشياء.
العزيز القدير القادر المقتدر القوي المتين
هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة ، فهو تعالى كامل القوة ، عظيم القدرة ، شامل
العزة ( إن العزة لله جميعاً ) وقال تعالى : ( إن ربك هو القوي العزيز ) فمعاني العزة
الثلاثة كلها كاملة لله العظيم . 1ـ عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوى المتين ، وهي
وصفة العظيم الذي لا تنسب إليه قوة للمخلوقات وإن عظمت ، قال تعالى ( إن الله هو
الرزاق ذو القوة المتين ) وقال ( والله قدير والله غفور رحيم ) وقال عز وجل ( قل هو
القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً
ويذيق بعضكم بأس بعض ) وقال تعالى ( وكان الله على كل شئ مقتدراً) وقال عز وجل
( إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . 2ـ وعزة الامتناع فإنه
هو الغني بذاته ، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه ، ولا نفعه فينفعونه
، بل هو الضار النافع المعطي المانع . 3ـ وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها
مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته ، فجميع نواصي المخلوقات بيده ، لا يتحرك
منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم
يكن ، ولا حول ولا قوة إلا به . فمن قوته واقتداره أنه خلق السماوات والأرض وما
بينهما في ستة أيام ، وأنه خلق الخلق ثم يميتهــم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون ( ما خلقكم
ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) . ( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) . ومن
آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة ، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل
زوج بهيج ، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبين والكفار الظالمين من أنواع
العقوبات وحلول المثلات ، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم ولا أموالهم ولا جنودهم ولا
حصونهم من عذاب الله من شئ لما جاء أمر ربك ، وما زادوهم غير تتبيب ، وخصوصاً
في هذه الأوقات ، فإن هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة
هذه الأمم هي من أقدار الله لهم وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه ، فمن آيات الله أن
قواهم وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئاً في صد ما أصابهم من النكبات
والعقوبات المهلكة ، مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك ، ولكن أمر الله غالب
وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي . ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما أنه
كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم ، وهي أيضاً
أفعالهم ، فهي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقة
، ولا منافاة بين الأمرين ، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم ، وخالق السبب التام خالق
للمسبب ، قال الله : ( والله خلقكم وما تعملون ) . ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من
نصره أولياءه ، على قلة عددهم على أعدائهم الذي فاقوهم بكثرة العدد والعدة ، قال
الله تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) . ومن آثار قدرته ورحمته ما
يحدثه لأهل النار وأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع
الذي لا ينقطع ولا يتناهى . فبقدرته أوجد الموجودات ، وبقدرته دبرها ، وبقدرته سواها
وأحكمها ، وبقدرته يحيى ويميت ، ويبعث العباد للجزاء ، ويجازي المحسن بإحسانه
والمسيء بإساءته ، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء الذي إذا أراد شيئاً
قال له (كن فيكون) قال تعالى ( أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل
شئ قدير ) .
الغني
الآخر
الظاهر
الباطن
قال الله تعالى : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) هذه الأسماء الأربعة المباركة قد
فسرها النبي صلى الله عليه وسلم تفسيراً جامعاً واضحاً فقال يخاطب ربه : ( اللهم أنت
الأول فليس قبلك شئ ، وأنت الآخر فليس بعدك شئ ، وأنت الظاهر فليس فوقك شئ ،
وأنت الباطن فليس دونك شئ ) .. الخ . ففسر كل اسم بمعناه العظيم ونفى عنه ما
يضاده وينافيه . فتدبر هذه المعاني الجليلة الدالة على تفرد الرب العظيم بالكمال المطلق
والإحاطة المطلقة الزمانية في قوله : ( الأول والآخر ) والمكانية في (الظاهر
والباطن) .فالأول يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن ، ويوجب للعبد
أن يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية ، إذ السبب والمسبب منه تعالى ..
والآخر يدل على أنه هو الغاية ، والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتألهها ن ورغبتها
، ورهبتها ، وجميع مطالبها ، والظاهر يدل على عظمة صفاته واضمحلال كل شئ عند
عظمته من ذوات وصفات على علوه ، والباطن يدل على إطاعته على السرائر ، والضمائر
، والخبايا ، والخفايا ، ودقائق الأشياء ، كما يدل على كمال قربه ودنوه . ولا يتنافى
الظاهر والباطن لأن الله ليس كمثله شئ في كل النعوت .
العلي
الأعلى
المتعال
قال الله تعالى ( ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ) وقال تعالى ( سبح اسم ربك
الأعلى ) وقال تعالى ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) وذلك دل على أن جميع
معاني العلو ثابتة لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى
العرض استوى أي علا وارتفع ، وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة
مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته ، قال
تعالى : ( ولا يحيطون به علماً ) . وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شئ في كل نعوته ، وله
علو القهر ، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده ،
وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما
لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك
لكمال اقتداره ، ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه .
الكبير
وهو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات المجد ، والكبرياء ، والعظمة ، والجلال ، الذي
هو أكبر من كل شئ ، وأعظم من كل شئ ، وأجل وأعلى . وله التعظيم والإجلال ، في
قلوب أوليائه وأصفيائه . قد ملئت قلوبهم من تعظيمه ، وإجلاله ، والخضوع له ، والتذلل
لكبريائه ، قال الله تعالى ( ذلك بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا
فالحكم لله العلي الكبير ) .
السميع
قال الله تعالى : ( وكان الله سميعاً بصيراً ) . وكثيراً ما يقرن الله بين صفة السمع والبصر
فكل من السمع والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة ، والباطنة فالسميع الذي أحاط
سمعه بجميع المسموعات ، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها
سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد ، لا تختلط عليه الأصوات ، ولا تخفى عليه جميع
اللغات ،والقريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء ( سواء منكم من أسر القول
ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ) ، ( وقد سمع الله قول التي
تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) . قالت
عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشتكي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض
كلامها ، فأنزل الله : ( لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) . وسمعه نوعان :
أحدهما : سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة الخفية والجلية ، وإحاطته التامة بها .
الثاني : سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيجيبهم ويثيبهم ، ومنـــه قوله
تعالى : ( إن ربي لسميع الدعاء ) . وقول المصلي (سمع اله لمن حمده) أي استجاب .
البصير
الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات ، حتى أخفى ما يكون
فيها فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وجميع
أعضائها الباطنية والظاهرة وسريان القوت في أعضائها الدقيقة ، ويرى سريان المياه
في أغصان الأشجار وعروقها وجميع النباتات على اختلاف أنواعها وصغرها ودقتها ،
ويرى نياط عروق النملة والنحلة والبعوضة وأصغر من ذلك . فسبحان من تحيرت العقول
في عظمته ، وسعة متعلقات صفاته ، وكمال عظمته ، ولطفه ، وخبرته بالغيب ،
والشهادة ، والحاضر والغائب ، ويرى خيانات الأعين وتقلبات الأجفان وحركات الجنان .
قال تعالى : (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم) ( يعلم
خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) . ( والله على كل شئ شهيد ) ، أي مطلع ومحيط علمه
وبصره وسمعه بجميع الكائنات .
العليم القدير
قال الله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . ( إن الله بكل شئ
عليم ) . فهو العليم المحيط علمه بكل شئ : بالواجبات ، والممتنعات ، والممكنات ، فيعلم
تعالى نفسه الكريمة ، ونعوته المقدسة ، وأوصافه العظيمة ، وهي الواجبات التي لا
يمكن إلا وجودها ، ويعلم الممتنعات حال امتناعها ، ويعلم ما يترتب على وجودها لو
وجدت ، كما قال تعالى : ( لو كان فيهما إلهة إلا الله لفسدتا) وقال تعالى : ( ما أتخذ
الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) .
فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها ، وإخباره بما ينشأ عنها لو وجدت
على وجه الفرض والتقدير ، ويعلم تعالى الممكنات ، وهي التي يجوز وجودها وعدمها
ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده ، فهو العليم الذي أحاط علمه
بالعالم العلوي والسفلي لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان ويعلم الغيب والشهادة ،
والظواهــر والبواطــن ، والجلي والخفي ، قال الله تعالى : ( إن الله بكل شئ عليم )
والنصوص في ذكر إحاطة علم الله وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جداً لا يمكن حصرها
وإحصاؤها ، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك
ولا أكبر ، وأنه لا يغفل ولا ينسى ، وأن علوم الخلائق على سعتها وتنوعها إذا نسيت
إلى علم الله اضمحلت وتلاشت ، كما أن قدرهم إذا نسبت إلى قدرة الله لم يكن لها نسبة
إليها بوجه من الوجوه ، فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون ، وأقدرهم على ما لم
يكونوا عليه قادرين . وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي والسفلي ، وما فيه من
المخلوقات ذواتها ، وأوصافها ، وأفعالها ، وجميع أمورها ، فهو يعلم ما كان وما
يكون في المستقبلات التي لا نهاية لها ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، ويعلم
أحوالالمكلفين منذ أنشأهم وبعد ما يميتهم وبعد ما يحييهم ، قد أحاط علمه بأعمالهم
كلها خيرها وشرها وجزاء تلك الأعمال وتفاصيل ذلك في دار القرار. والخلاصة أن الله
تعالى هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن ، والأسرار والإعلان ، وبالواجبات ،
والمستحيلات ، والممكنات ، وبالعالم العلوي ، والسفلي ، وبالماضي ، والحاضر ،
والمستقبل ، فلا يخفى عليه شئ من الأشياء.
العزيز القدير القادر المقتدر القوي المتين
هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة ، فهو تعالى كامل القوة ، عظيم القدرة ، شامل
العزة ( إن العزة لله جميعاً ) وقال تعالى : ( إن ربك هو القوي العزيز ) فمعاني العزة
الثلاثة كلها كاملة لله العظيم . 1ـ عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوى المتين ، وهي
وصفة العظيم الذي لا تنسب إليه قوة للمخلوقات وإن عظمت ، قال تعالى ( إن الله هو
الرزاق ذو القوة المتين ) وقال ( والله قدير والله غفور رحيم ) وقال عز وجل ( قل هو
القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً
ويذيق بعضكم بأس بعض ) وقال تعالى ( وكان الله على كل شئ مقتدراً) وقال عز وجل
( إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) . 2ـ وعزة الامتناع فإنه
هو الغني بذاته ، فلا يحتاج إلى أحد ولا يبلغ العباد ضره فيضرونه ، ولا نفعه فينفعونه
، بل هو الضار النافع المعطي المانع . 3ـ وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات فهي كلها
مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته ، فجميع نواصي المخلوقات بيده ، لا يتحرك
منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم
يكن ، ولا حول ولا قوة إلا به . فمن قوته واقتداره أنه خلق السماوات والأرض وما
بينهما في ستة أيام ، وأنه خلق الخلق ثم يميتهــم ثم يحييهم ثم إليه يرجعون ( ما خلقكم
ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) . ( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) . ومن
آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة ، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل
زوج بهيج ، ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذبين والكفار الظالمين من أنواع
العقوبات وحلول المثلات ، وأنه لم يغن عنهم كيدهم ومكرهم ولا أموالهم ولا جنودهم ولا
حصونهم من عذاب الله من شئ لما جاء أمر ربك ، وما زادوهم غير تتبيب ، وخصوصاً
في هذه الأوقات ، فإن هذه القوة الهائلة والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة
هذه الأمم هي من أقدار الله لهم وتعليمه لهم ما لم يكونوا يعلمونه ، فمن آيات الله أن
قواهم وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئاً في صد ما أصابهم من النكبات
والعقوبات المهلكة ، مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي ذلك ، ولكن أمر الله غالب
وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي والسفلي . ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما أنه
كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم ، وهي أيضاً
أفعالهم ، فهي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقة
، ولا منافاة بين الأمرين ، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم ، وخالق السبب التام خالق
للمسبب ، قال الله : ( والله خلقكم وما تعملون ) . ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من
نصره أولياءه ، على قلة عددهم على أعدائهم الذي فاقوهم بكثرة العدد والعدة ، قال
الله تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) . ومن آثار قدرته ورحمته ما
يحدثه لأهل النار وأهل الجنة من أنواع العقاب وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع
الذي لا ينقطع ولا يتناهى . فبقدرته أوجد الموجودات ، وبقدرته دبرها ، وبقدرته سواها
وأحكمها ، وبقدرته يحيى ويميت ، ويبعث العباد للجزاء ، ويجازي المحسن بإحسانه
والمسيء بإساءته ، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء الذي إذا أراد شيئاً
قال له (كن فيكون) قال تعالى ( أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل
شئ قدير ) .
الغني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى